فصل: من فوائد أبي حيان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قَوْله: (وَقَالَ لِي أَبُو الْيَمَان):
عِنْد غَيْر أَبِي ذَرّ «وَقَالَ أَبُو الْيَمَان» بِغَيْرِ مُجَاوَرَة.
قَوْله: (سَمِعْت سَعِيدًا يُخْبِرهُ بِهَذَا قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه):
هَكَذَا لِلْأَكْثَرِ يُخْبِر بِصِيغَةِ الْفِعْل الْمُضَارِع مِنْ الْخَبَر مُتَّصِل بِهَاءِ الضَّمِير، وَوَقَعَ لِأَبِي ذَرّ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِيّ بَحِيرَة بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْمُهْمَلَة، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَفْسِير الْبَحِيرَة وَغَيْرهَا كَمَا فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن سَعْد، وَأَنَّ الْمَرْفُوع مِنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ عَمْرو بْنَ عَامِر حَسْب، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد، فَإِنَّ الْمُصَنِّف أَخْرَجَهُ فِي مَنَاقِب قُرَيْش قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَان أَنْبَأَنَا شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيّ سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ: الْبَحِيرَة الَّتِي يُمْنَع دَرُّهَا إِلَخْ، لَكِنَّهُ أَوْرَدَهُ بِاخْتِصَارٍ قَالَ «وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر إِلَخْ».
قَوْله: (وَرَوَاهُ اِبْن الْهَادِ عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
أَمَّا طَرِيق اِبْن الْهَادِ فَأَخْرَجَهَا اِبْن مَرْدَوْيهِ مِنْ طَرِيق خَالِد بْن حُمَيْدٍ الْمَهْرِيِّ عَنْ اِبْن الْهَاد- وَهُوَ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه اِبْن أُسَامَة بْن الْهَادِ اللَّيْثِيُّ- بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلَفْظ الْمَتْن «رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر الْخُزَاعِيَّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النَّار» وَكَانَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب، وَالسَّائِبَة الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّب فَلَا يُحْمَل عَلَيْهَا شَيْء إِلَى آخِر التَّفْسِير الْمَذْكُور، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عُوَانَةَ وَابْن أَبِي عَاصِم فِي «الْأَوَائِل» وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق عَنْ اللَّيْث عَنْ اِبْن الْهَادِ بِالْمَرْفُوعِ فَقَطْ، وَظَهَرَ أَنَّ فِي رِوَايَة خَالِد بْن حُمَيْدٍ إِدْرَاجًا وَأَنَّ التَّفْسِير مِنْ كَلَام سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله فِي الْمَرْفُوع «وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب» زَادَ فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم «وَبَحَرَ الْبَحِيرَة وَغَيَّرَ دِين إِسْمَاعِيل» وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ يَزِيد بْن أَسْلَمَ مُرْسَلًا «أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب عَمْرو بْن لُحَيٍّ، وَأَوَّل مَنْ بَحَّرَ الْبَحَائِر رَجُل مِنْ بَنِي مُدْلِج جَدَعَ أُذُن نَاقَته وَحَرَّمَ شُرْب أَلْبَانهَا» وَالْأَوَّل أَصَحّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّف حَدِيث عَائِشَة «رَأَيْت جَهَنَّم يُحَطِّم بَعْضهَا بَعْضًا، وَرَأَيْت عَمْرًا يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النَّار، وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب» هَكَذَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَتَقَدَّمَ فِي أَبْوَاب الْعَمَل فِي الصَّلَاة مِنْ وَجْه آخَر عَنْ يُونُس عَنْ زَيْد مُطَوَّلًا وَأَوَّله «خَسَفَتْ الشَّمْس، فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ سُورَة طَوِيلَة» الْحَدِيث وَفِيهِ «لَقَدْ رَأَيْت فِي مَقَامِي هَذَا كُلّ شَيْء» وَفِيهِ الْقَدْر الْمَذْكُور هُنَا، وَأَوْرَدَهُ فِي أَبْوَاب الْكُسُوف مِنْ وَجْه آخَر عَنْ يُونُس بِدُونِ الزِّيَادَة، وَكَذَا مِنْ طَرِيق عُقَيْل عَنْ الزُّهَيْرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان نَسَب عَمْرو الْخُزَاعِيِّ فِي مَنَاقِب قُرَيْش، وَكَذَا بَيَان كَيْفِيَّة تَغْيِيره لِمِلَّةِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَنَصْبه الْأَصْنَام وَغَيْر ذَلِكَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)}.
هذه أحكامٌ ابتدعوها، فردَّهم الحقُّ سبحانه عن الابتداع، وأمَرهم بحسن الاتِّباع، وأخبر أنَّ ما صدر من عاداتهم لا يُعَدُّ من جملة عباداتهم. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ}.
يعني: ما جعل الله حرامًا من بحيرة، لقولهم: إن الله أمرهم بتحريمها.
ونزلت في مشركي العرب، فكانت الناقة إذا ولدت البطن الخامس، فإن كان الخامس ذكرًا ذبحوه للآلهة، وكان لحمه للرجال دون النساء، وإن مات أكله الرجال والنساء.
وإن كان الولد الخامس أنثى شَقُّوا أذنها وهي البحيرة، ثم لا يُجَزّ لها وبر ولا يُذكر عليه اسم الله، وألبانها للرجال دون النساء.
فإذا ماتت اشترك فيها الرجال والنساء.
{وَلاَ سَائِبَةٍ} وأما السائبة: فهي الأنثى من الأنعام كلها.
إذا قدم الرجل من سفره، أو برأ من مرضه، أو بنى بناءً، سيّب شيئًا من الأنعام للآلهة، وخرجها من ملكه، ويسلمها إلى سدنة البيت لآلهتهم، ولا يركبونها.
وكان صوفها وأولادها للرجال دون النساء.
{وَلاَ وَصِيلَةٍ} وأما الوصيلة: فهي من الغنم إذا ولدت سبعة أبطن.
فإن كان الولد السابع جديًا ذبحوه لآلهتهم، وكان لحمه للرجال دون النساء؛ وإن كانت عناقًا، كانوا يستعملونها بمنزلة سائر الغنم.
وإن كان جديًا وعناقًا، قالوا: إن الأخت قد وصلت بأخيها، فحرمتا جميعًا، وكانت المنفعة للرجال دون النساء.
وإن ماتا تشارك الرجال والنساء.
{وَلاَ حَامٍ} وأما الحام: فهو الفحل من الإبل إذا ركب ولده.
قالوا: قد حمى ظهره فيهمل، ولا يحمل، ولا يركب، ولا يمنع من المياه، ولا عن المراعي، فإذا مات أكله الرجال والنساء.
وكانوا يقولون: هذه الأشياء كلها من أحكام الله تعالى.
قال الله تعالى: ما حرّم الله هذه الأشياء {ولكن الذين كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ على الله الكذب}.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أعْرِفُ أوَّلَ مَنْ سَيِّبَ السَّوَائِبِ، وَأَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ عَهْدَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ» قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ أخُو بَنِي كَعْبٍ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَجُرُّ قُصبَهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي ريحُهُ أهْلَ النَّارِ، وَإنِّي لأعْرِفُ مَنْ بَحَّرَ البَحَائِرَ» قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «رَجُلٌ مِنْ بَنِي مدْلِج كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُما، وَحَرَّمَ ألْبَانَهُمَا، ثُمَّ شَرِبَ ألْبَانَهُمَا بَعْدَ ذلك.
فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ وَهُوَ وَهُمَا يَعضَّانِهِ بِأَفْوَاهِهِمَا، وَيَخْبِطَانِهِ بِأَخْفَافِهِمَا»
ثم قال تعالى: {وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} يعني: ليس لهم عقل يعقلون أن الله هو المحلل والمحرم، وليس لغيره أن يحل ويحرم. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} مناسبة هذه لما قبلها أنه تعالى لما نهى عن سؤال ما لم يأذن فيه ولا كلفهم إياه منع من التزام أمور ليست مشروعة من الله تعالى، ولما سأل قوم عن هذه الأحكام التي كانت في الجاهلية هل تلحق بأحكام الكعبة بين تعالى أنه لم يشرع شيئًا منها، أو لما ذكر المحللات والمحرمات في الشرع عاد إلى الكلام في المحللات والمحرمات من غير شرع، وفي حديث روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن أول من غير دين إسماعيل عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف نصب الأوثان وسبب السائبة وبحر البحيرة وحمى الحامي» ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر قصبه في النار، وروي أنه كان ملك مكة، وروى زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد عرفت أول من بحر البحيرة هو رجل من مدلج كانت له ناقتان فجدع ذانهما وحرم ألبانهما وركوب ظهورهما قال: فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه».
قال الزمخشري يعني {ما جعل الله} ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير والتسييب وغير ذلك، وقال ابن عطية و{جعل} في هذه الآية لا يتجه أن تكون بمعنى خلق الله لأن الله تعالى خلق هذه الأشياء كلها ولا هي بمعنى صير لعدم المفعول الثاني، وإنما هي بمعنى ما سن ولا شرع، ولم يذكر النحويون في معاني جعل شرع، بل ذكروا أنها تأتي بمعنى خلق وبمعنى ألقى وبمعنى صير، وبمعنى الأخذ في الفعل فتكون من أفعال المقاربة.
وذكر بعضهم بمعنى سمى وقد جاء حذف أحد مفعولي ظن وأخواتها إلا أنه قليل والحمل على ما سمع أولى من إثبات معنى لم يثبت في لسان العرب فيحتمل أن يكون المفعول الثاني محذوفًا، أي ما صير الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حاميًا مشروعة بل هي من شرع غير الله، {والأنعام خلقها لكم} خلقها الله تعالى رفقًا لعباده ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة وأهل الجاهلية قطعوا طريق الانتفاع بها وإذهاب نعمة الله بها، قال ابن عطيّة وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجوز الأحباس والأوقاف وقاسوا على البحيرة والسائبة والفرق بيّن ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال هذه تكون حبسًا لا تجتنى ثمرتها ولا تزرع أرضها ولا ينتفع منها بنفع لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة، وأما الحبس المتعين طريقة واستمرار الانتفاع به فليس من هذا، وحسبك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب في مال له: «اجعله حبسًا لا يباع أصله» وحبس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.
{ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب} قال الزمخشري بتحريم ما حرموا.
{وأكثرهم لا يعقلون} فلا ينسبوا التحريم حتى يفتروا ولكنهم يقلدون في تحريمها كبارهم انتهى.
نص الشعبي وغيره أن المفترين هم المبتدعون وأن الذين لا يعقلون هم الأتباع، وقال ابن عباس {الذين كفروا} يريد عمرو بن لحي وأصحابه، وقيل في {لا يعقلون} أي الحلال من الحرام، وقال قتادة: {لا يعقلون} أن هذا التحريم من الشيطان لا من الله، وقال محمد بن موسى: {الذين كفروا} هنا هم أهل الكتاب والذين {لا يعقلون} هم أهل الأوثان، قال ابن عطية وهذا تفسير من انتزاع آخر الآية عما تقدمها وارتبط بها من المعنى وعما أخبر أيضًا من قوله: {وإذا قيل لهم} انتهى.
وقال مكي ذكر أهل الكتاب هنا لا معنى له إذ ليس في هذا صنع ولا شبه وإنما ذكر ذلك عن مشركي العرب فهم الذين عنوا بذلك. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ}.
فيه سبع مسائل:
الأُولى قوله تعالى: {مَا جَعَلَ الله}.
جعل هنا بمعنى سَمَى، كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] أي سميّناه.
والمعنى في هذه الآية ما سَمَى الله، ولا سَنّ ذلك حكمًا، ولا تَعبّد به شرعًا، بَيْد أنه قَضَى به علمًا، وأوجده بقدرته وإرادته خَلْقًا؛ فإن الله خالق كل شيء من خير وشر، ونفع وضرّ، وطاعة ومعصية.
الثانية قوله تعالى: {مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ} «من» زائدة.
والبحيرة فعِيلة بمعنى مفعولة، وهي على وزن النَّطِيحة والذَّبيحة.
وفي الصحيح عن سعيد بن المسيّب: البحِيرة هي التي يمنع دَرُّها للطواغيت، فلا يَحتلبها أحدٌ من الناس.
وأما السّائبة فهي التي كانوا يُسيبونها لآلهتهم.
وقيل: البحِيرة لغة هي الناقة المشقوقة الأذن؛ يقال: بحَرتُ أذن الناقة أي شققتها شقًا واسعًا، والناقة بَحِيرة ومبحورة، وكان البحر علامة التخلية.